responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 152
وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ عَلَامَةُ صِدْقِ الْإِيمَانِ، وَفِيهِ مُلَاحَظَةُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَاعْتِقَادُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَعَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَهَذَا، أَدَبٌ عَظِيمٌ مَعَ الْخَالِقِ يَدُلُّ عَلَى مَحَبَّةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَلِذَلِكَ أحبّه الله.
[160]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 160]
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)
اسْتِئْنَافٌ نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ [آل عمرَان: 157] أَوْ عَنْ قَوْلِهِ: لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ [آل عمرَان: 156] الْآيَةَ.
وَلَوْ حُمِلَ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى ظَاهِرِ الْإِخْبَارِ لَكَانَ إِخْبَارًا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ إِذْ هُمْ مُؤْمِنُونَ، وَلَا يَجْهَلُ مُؤْمِنٌ أَنَّ اللَّهَ إِذَا قَدَّرَ نَصْرَ أَحَدٍ فَلَا رَادَّ لِنَصْرِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا قَدَّرَ خَذْلَهُ فَلَا مَلْجَأَ لَهُ مِنَ الْهَزِيمَةِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَعْنَى مُحَقَّقٌ فِي جَانِبِ اللَّهِ لَا يَجْهَلُهُ مُعْتَرِفٌ بِإِلَهِيَّتِهِ، مُؤْمِنٌ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَهَلْ بَعْدَ اعْتِقَادِ نَفْيِ الشَّرِيكِ عَنِ اللَّهِ فِي مُلْكِهِ مَجَالٌ لِاعْتِقَادِ وُجُودِ مُمَانِعٍ لَهُ فِي إِرَادَتِهِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَر مرَادا بِهِ غَيْرَ ظَاهِرِ الْإِخْبَارِ، وَأَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ تَقْرِيرًا لِتَسْلِيَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ، حَتَّى لَا يَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَ لِأَنَّ رَدَّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَدَارُكِهَا مَسْلَاةٌ لِلنَّفْسِ، وَعَزَاءٌ
عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ إِلَى أَنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَوْمًا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، وَخَذْلَهُ إِيَّاهُمْ فِي بَعْضِهَا، لَا يَكُونُ إِلَّا لِحِكَمٍ وَأَسْبَابٍ، فَعَلَيْهِمُ السَّعْيُ فِي أَسْبَابِ الرِّضَا الْمُوجِبُ لِلنَّصْرِ، وَتَجَنُّبُ أَسْبَابِ السُّخْطِ الْمُوجِبِ لِلْخَذْلِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [مُحَمَّد: 7] وَقَوْلُهُ: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمرَان: 153] وَقَوْلُهُ الْآتِي:
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [آل عمرَان: 165] وَعَلَيْهِمُ التَّطَلُّبُ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي قُدِّرَ لَهُمُ النَّصْرُ لِأَجْلِهَا فِي مِثْلِ يَوْمِ بَدْرٍ، وَأَضْدَادِهَا الَّتِي كَانَ بِهَا الْخَذْلُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَفِي التَّفْكِيرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَاسِعٌ لِمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ وَالْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ وَالْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 152
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست